السودان: نحو إسقاط النظام الجمهوري الرأسمالي

إن إقالة الدكتاتور السوداني السابق، عمر البشير، واستيلاء الجيش على السلطة في 11 أبريل هو محاولة لإرباك الجماهير وسرقة إنجازهم. ومع ذلك، فإن الجماهير لن تتخلى عن نصرها الذي حققته بشق الأنفس بهذه السهولة. وهذا المقال الهام الذي توصلنا به من طرف الرفيق محمد حسام، المناضل الماركسي الثوري من مصر، يوضح مسارات الثورة ومنظوراتها ويحدد مهام الماركسيين والثوريين السودانيين في التنظيم لبناء القيادة الثورية من أجل نظام اشتراكي يقوم على إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج ووضعها تحت رقابة وإشراف العاملين بها.

[Source]

ها هي الثورة السودانية تخطو خطوة أخرى نحو الانتصار فبعد أزيد من مائة يوم من الاحتجاجات والمواكب التي تكللت بالاعتصامات واحتلال الجماهير للشوارع والميادين سقط الديكتاتور عمر البشير، سقط بعد أن خلف وراءه وطن يعاني الفقر والأمية والجوع والحروب الداخلية.

خرج علينا الجنرال عوض بن عوف يزف إلى الجماهير السودانية ما كان يظنه النبأ السعيد لهم، إن الطبقة الحاكمة السودانية والنظام السوداني المتهرئ قرر أن يضحي برأسه "عمر البشير"، ظن الجنرال بن عوف -المقرب من البشير والمعين عن طريقه على سدة المؤسسة العسكرية- أن بإعلانه انقلابه العسكري سيؤدي ذلك لتهدئة الجماهير، فخرج بمنتهى الصلف يصدر أوامره كحاكم عسكري للبلاد، والتي من أهمها كانت فرض حظر التجوال وإعلان حالة الطوارئ وتشكيل لجنة أمنية تقود البلاد لمدة عامين كل قاداتها من الجنرالات الضالعين في جرائم حرب بشكل مباشر في حق الجماهير السودانية في دارفور وغيرها من المدن، وكلهم تربوا وتدرجوا في دولاب المليشيات الأمنية النظامية والغير نظامية للجبهة الإسلامية . لكن الجماهير السودانية التي ذاقت ويلات الانقلابات العسكرية بشكل المباشر، والتي تعلمت من تجارب الثورات العربية المهزومة أعلنت بشكل قاطع رفضها لذلك الانقلاب وما أصدره من قرارات فاستمرت في اعتصاماتها ومواكبها الباسلة متحدية حظر التجوال وحالة الطوارئ ومحاولات فض اعتصاماتها بالقوة المستمرة كل يوم. فما كان من الطبقة الحاكمة إلا أن ترضخ مجدداً لإرادة الجماهير ويعلن الجنرال بن عوف استقالته بعد يومين فقط من قفزه على أكتاف الجماهير.

اليوم تقف الثورة السودانية المجيدة أمام مفترق طرق حقيقي فإما أن تكمل مسيرتها في تحقيق مزيد من الانتصارات الثورية، وإما أن تفقد جذوتها مع مرور الوقت وهو ما تراهن عليه الطبقة الحاكمة السودانية ممثلة اليوم في عبد الفتاح البرهان الممسك بالبلاد بعد استقالة عوض بن عوف. أدرك عبد الفتاح البرهان أن عليه أن يقدم تنازلات -حتى ولو كانت شكلية- لامتصاص غضب وثورة جماهير الشعب، أو بمعنى أصح لخداع الجماهير أنه يحقق مرادهم وأهدافهم، فألغى حظر التجوال وحالة الطوارئ التي أعلنهما ابن عوف، وتم الإعلان عن استقالة عدد من رموز النظام الدموي من أبرزهم الجزار صلاح قوش المسؤول عن المخابرات صاحب السجل الحافل بالجرائم في حق الجماهير السودانية. لكنه بعد ذلك عين قائد مليشيا التدخل السريع "الجنجويد" سيئة السمعة محمد حمدان دقلو (حميدتي)، والمعروفة بارتكاب جرائم ترتقي لجرائم حرب في دارفور، حرق ونهب واغتصاب جماعي.

هكذا يُظهر الجنرال عبد الفتاح البرهان وجهه الحقيقي والمتوقع كجنرال قادم ليعيد ترتيب البيت الداخلي للطبقة الحاكمة السودانية، جنرال قادم ليحمي البشير وزمرته من غضب الشعب، جنرال قادم لمنع تطور الثورة السودانية، لمنع القضاء على النظام الرأسمالي، بالحيلة في البداية وهو ما يظهر أنه سيفشل فيه نتيجة يقظة الجماهير السودانية لكل ألاعيب الطبقة الحاكمة، أو يمنع الثورة السودانية من التطور والقضاء على كامل النظام السياسي والاقتصادي القائم بالقوة المسلحة، وهو الحل الذي ستلجأ إليه الطبقة الحاكمة في السودان عاجلاً أم آجلاً إن فشلت الثورة السودانية من تسديد ضربة قاضية للطبقة الحاكمة وجزئها الصلب (الشرطة والجيش).

وإن استخدمت الدولة السودانية القوة المسلحة للقضاء على الثورة فإنها بالتأكيد ستلقى دعم كل الدول الإقليمية والدولية الذين ظنوا أنهم استطاعوا كسر سلسلة الثورات العربية، وأنهم بهزيمتهم للموجة الثورية المندلعة في عدة بلدان عربية في العام 2011 قضوا بذلك علي آمال الجماهير العربية في التحرر الاقتصادي والسياسي. فالأكيد أن الطبقة الحاكمة والدولة المصرية مثلاً لا تستطيع تحمل انتصار ثورة على حدودها الجنوبية يمكن أن تمثل حافز للجماهير المصرية المقموعة والمستغلة للانتفاض مجدداً، لهذا ستفعل الدولة المصرية، ومن ورائها العصابات الممسكة بالخليج، المستحيل لمنع انتصار الثورة السودانية، وهو ما ظهر جلياً في وجود وفد من المخابرات المصرية في اليوم الذي سبق عزل البشير، ووجود وفد ثلاثي سعودي إماراتي مصري في السودان اليوم للقاء الجنرال البرهان، ليقدموا له النصائح والدروس المستخلصة من انتصارهم المؤقت على ثورات الجماهير العربية.

إن جميع القوى المحلية السودانية والإقليمية العربية والصهيونية والعالمية تتكالب اليوم على الثورة السودانية، ما يشغل بال الدولة العربية الديكتاتورية اليوم هو كيف يتسنى لهم وقف المد الثوري في السودان والجزائر في أسرع وقت، كيف يتسني لهم منع الثورتين من تحقيق مزيد من الانتصارات الثورية.

لهذا على الثورة السودانية والثوريين والماركسيين الثوريين أن يعوا مهامهم الملحة في هذه اللحظة الحرجة جداً. إن استمرار المد الثوري واتساعه مع مزيد من التنظيم قادر علي فعل ما تظنه بقية الجماهير العربية المهزومة اليوم في عداد المستحيل، قادر على تغيير الواقع بشكل جذري. كما أن انتصار الثورة السودانية سيؤدي إلى إعادة الماء مجدداً لساقية الثورات العربية، وفي مقدمتهم الثورة الجزائرية المشتعلة بالفعل.

على الثوريين السودانيين أن يدفعوا نحو مزيد من التنظيم الذاتي للجماهير في المصانع والمؤسسات والأحياء، وانتخاب ممثلين للجماهير يخضعون للمحاسبة والعزل في أي وقت من قبل الجماهير التي انتخبتهم، لتتشكل قيادة من قلب الثورة، قيادة تقود الجماهير وخاضعة لها في نفس الوقت، قيادة تقود الجماهير وفي مقدمتها الطبقة العاملة نحو الاستيلاء علي السلطة السياسية وتغيير النمط الاقتصادي الرأسمالي الذي هو السبب الرئيسي لكل مشاكل الجماهير السودانية من فقر وجوع وأمية وبطالة وحروب داخلية.

قيادة لا تساوم ولا تتراجع حين يتوجب عليها التقدم، قيادة تمتلك الشجاعة الكافية لأخذ زمام المبادرة وعدم الاكتفاء برد الفعل، بل تبدأ هي الفعل وتبدأ هي الهجوم المنظم على الجمهورية الرأسمالية السودانية وقواتها النظامية (الشرطة والجيش)، لإقامة البديل السياسي والاقتصادي، القائم على امتلاك الجماهير الشعبية وفي مقدمتهم العمال لوسائل الإنتاج والإشراف عليها، ليعمل النظام الاقتصادي لصالح أغلبية المجتمع لا أقليته، نظام سياسي واقتصادي يعمل على تنمية المجتمع وليس جني الأرباح لحفنة من الأشخاص يتعاطوا السمسرة في البشر والحجر، لتكون الخطوة الأولى نحو بناء الاشتراكية، بما يعني إلغاء الملكية الخاصة لوسائل الإنتاج -مثل المصانع والأراضي الزراعية..الخ- ووضعها تحت رقابة وإشراف العاملين بها، إلغاء سيطرة طبقة رجال الأعمال وأعوانها من العسكريين على المجتمع واستئثارهم بغالبية المنتوج الاجتماعي، إلغاء استغلال مجهود عمل العمال والفلاحين الفقراء والطبقات الوسطى المفقرة من أجل تحقيق الأرباح لحفنة من السادة المحليين والإقليميين والدوليين. نظام اشتراكي بما يعني هو نظام اقتصادي قائم على التخطيط من أجل المجتمع، نظام اقتصادي يقوده الجماهير وممثليهم المنتخبين، بهدف تنمية المجتمع عن طريق بناء الصناعة وتطوير الزراعة وتطوير منظومة التعليم والصحة، لتكون نهاية النظام التابع اقتصادياً وسياسياً والمسبب للتخلف المجتمعي، وبناء نظام يضع الجماهير وتنميتها كهدف أول وأخير له.

كل خطوة تخطوها الجماهير في الشوارع يجب أن يصاحبها خطوتين لبناء التنظيم والبرنامج الثوري، والسعي لكسب تأييد الطبقات الشعبية والمهمشة لذلك البرنامج، ليكون ذلك البرنامج وتلك القيادة المنظمة سداً منيعاً أمام الإصلاحيين والتوافقيين على مختلف أشكالهم، لعدم استغلال تحركات وثورات الجماهير لصالح إعادة إنتاج نفس النظام بأشكال وأشخاص مختلفة. إن قيادة من هذا النوع هو ما يجب أن تعمل من أجله كل المنظمات والأحزاب الماركسية والثورية والعمالية في السودان اليوم.

قيادة ثورية تضطلع بتلك المهمة تبدأ في النزاع على السلطة وتعمل على كسب الجنود وصغار الضباط لصف الثورة عن طريق الدعايا الثورية وامتداد الثورة وتحقيقها مزيد من الانتصارات لكسر الانضباط داخل الجيش النظامي، كون تلك الفئة من الجيش النظامي الجمهوري تتقاسم مع الجماهير كثير من المآسي والهموم، عكس الرتب المتوسطة والعليا من الجيش النظامي التي من المستحيل أن تعمل لصالح الجماهير وثورتها إلا مجبرة وستتحين الفرصة للانقضاض مجدداً على مكتسبات الثورة، ولكم في الثورة المصرية عبرة ودرس قاسي ندفع ثمنه غالياً اليوم.

المجد للشهداء والحرية للمعتقلين والنصر للثورة!

ابنوا الخلايا والتنظيمات الثورية في كل مكان!

تسقط قوات قمع الشعوب (الشرطة والجيش)!

تسقط حكومات رجال الأعمال!

لا حل سوى انتصار الثورة الاشتراكية بحكومة عمالية!